30 - 06 - 2024

مؤشرات | السودان ومنحدر الحرب "الخاصة"

مؤشرات | السودان ومنحدر الحرب

لا يمكن أن نبريء أحدأ من الأطراف السودانية مما يجري في السودان، فالكل يتحمل مسؤوليته في التدهور السريع للأوضاع، وإشتعال الأزمة، ودخول معارك ضحيتها أبرياء والسودان نفسه، والسبب في التدهور لا يخرج عن الطمع في السلطة، والقفز على كرسي الحكم في بلد يعاني ككثير من بلدان المنطقة من أزمات إقتصادية كبيرة.

توقيت الأزمة جاء في وقت ينشغل فيه العالم بالحرب الروسية الأوكرانية والتي دخلت عامها الثاني قبل نحو شهرين، وفي ظل أطراف تغذي الخطة التي تستهدف التقسيم الثاني للسودان، بعد تقسيم (الشمال والجنوب)، وهو ما يدركه الأشقاء جميعا.

لا يعنيني هنا من بعيد و قريب الحسابات السياسية المعقدة، والتي تلعب فيها أطراف خارجية ومن خارج المنطقة تحديدا، فما يهمني أن السودان قد يكون مقبلا على حرب أهلية، - إن صح التعبير- وسط حالة صمت من العقلاء في الداخل السوداني، وكأن الكل ينتظر من يكسب المعركة ليحدد بوصلته، وهذا هو الخطر الأكبر.

أشعر أن هناك حالة من التربص بالسودان ليس لضرب السودان نفسه، بل لمنطقتنا كلها، والدفع نحو مزيد من التعقيدات، بعد فشل التوصل إلى تقارب سياسي في مفاوضات أكثر تعقيدا، بين ما هو سياسي وعسكري، وبين ما هو عسكري عسكري من عنصري "الجيش السوداني وقوات الدعم السريع" وكل منهما على رأسه قائد حوله طامعون في السلطة، والسلطة فقط، وبعد ذلك تأتي مصالح السودان نفسه.

التضارب حتى الآن هو سيد الموقف حول كل ما يجري على الأرض، بين ما يعلنه كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ولكن المؤكد أن هناك منحدر شديد نحو الحرب، والصراع الداخلي المسلح، والخاسر هو الدولة السودانية الشقيقة.

صحيح أن المؤشرات كلها كانت تقود نحو أزمة كبيرة، قد تصل إلى المواجهة العسكرية، وهو ما تم بالفعل على الأرض، خصوصا منذ العمل على تشكيل حكومة لتأتي خلفا لمجلس السيادة الحاكم المؤقت في السودان في ظل قيود شديدة، وما جرى بعد ذلك من انهيار للعملية السياسية والتي بدأت مطلع العام الجاري وفي نهاية الأسبوع الأول من يناير 2023،  لتظل الأزمة لنحو عام ونصف العام منذ بدايتها في أكتوبر من العام 2021.

ورغم أن أطرافا عديدة من الداخل والخارج السوداني، كانت تدرك الانزلاق لما فيه السودان حاليا من حرب فعلية، إلا أنه لم يتحرك أحد لوأد الأزمة في مهدها، ربما لأسباب نستطيع القول أنها "عمدا مع سبق الإصرار"، أو لما يمكن تسميته بـ"سوء تقدير سياسي"، وربما "غباء" في المعالجة.

وعلينا ملاحظة أن الأزمة العسكرية في السودان، جاءت يوم 15 من إبريل أي بعد 10 أيام من فشل التوصل إلى اتفاق التسوية الذي كان مقررا التوقيع عليه في 5 إبريل، ومن هذا التاريخ، وكل المعلومات الإستخباراتية أجمعت على الولوج نحو مواجهة عسكرية، خصوصا أن نقطتي الخلاف وراء فشل التوقيع تتمركز حول آليات الإصلاح الأمني وضرورة دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني، والمدى الزمني للإندماج.

ومن الواضح أن طرفي الصراع (العسكري) كل همه هو فرض مزيد من السيطرة، وتمهيد الأرض لنفسه ولفريقه خلال الفترة الإنتقالية، وبل وصل الخلاف إلى ما يمكن تسميته بوجود جيشين في البلاد، كل منهما له نفوذ ومصالح، هي في الأساس مصالح ضيقة وتنحصر على مصلحة كل طرف، وليس الدولة والوطن السوداني.

ولا يمكن أن ننسى أن الفريق عبد الفتاح البرهان، هو من ألغى المادة الخامسة من الدستور السوداني، والتي  كانت تتضمن نصا واضحا يقضي بخضوع قوات الدعم السريع لأنظمة وأحكام ولوائح القوات المسلحة "الجيش السوداني"، فقد تأسست "الدعم السريع" في العام 2013، وتضم في تشكيلها مليشيات منها "الجنجويد"، وبمقتضي قرار البرهان، أضحت تلك القوات تتمتع بإستقلالية تامة ومسؤوليتها تحت إشراف وقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي).

وهذا يعني أن البرهان، مسؤول عن تعزيز هذه القوات(الموازية للجيش السوداني) ، وتقوم بتسليح نفسها، وتجنيد أفراد لها من السودانيين أنفسهم، ولا يعلم أحد من يوفر لها التمويل، وبهدف خبيث لتشكيل جيش آخر يصارع على السلطة في السودان، ويكون أحد أدوت الحرب التي وصلنا إليها الآن، بالرغم من قرار البرهان وقتها كان بنية بناء تحالف مع "حميدتي"، إلا أن السحر انقلب على الساحر، وإرتفع صوت "الخيانة" في كل التصريحات.

ولابد ونحن نقرأ في أحداث السودان الحالية، نضع في الخلفية مدى النفوذ الذي خلقته وصنعته قوات الدعم السريع لنفسها من العام 2013، وحتى العام 2023، من خلال تعاون مع قوى إقليمية، وبناء على علاقات مع أمريكا بمغازلة إسرائيل، وتنظيم زيارات رسمية إلى بلدان عربية وخليجية وفي الشرق الأوسط والعالم، مثل تركيا وروسيا، وهو ما يؤكد أن هناك فصيلين عسكريين في الحرب الدائرة على الأراضي السودانية من العاصمة في الشمال (الخرطوم)، وحتى مناطق الجنوب والشرق والغرب، منها منطقة "مروي"، ومطارها العسكري الكبير، وهو مطار مدني أيضا.

في ضوء هذا من المهم أن ندرك أننا في حرب حقيقية، تحتاج لعقل سياسي، وتوافق سوداني سوداني، لتجاوزها، وخروج كل الأصابع التي تتمدد في الأزمة، مع أن تراعي دول الجوار وخصوصا مصر نقاط مصالحها لعدم تمدد أطراف الحرب للكل السوداني، خاصة أننا أمام حرب يغلب عليها الطابع الخاص في المصالح.
-----------------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | استثمار زراعي .. ولا مكان لصغار الفلاحين





اعلان